ضرب زلزال في فبراير من العام الماضي 2023 مناطق واسعة من تركيا وسوريا، وتسبب بوفاة عشرات الآلاف من القتلى وأضعاف هذا الرقم من المصابين، إضافة إلى تدمير شبه كامل لمعالم المدن التي أصابها.

الزلزال هو شكل من أشكال الكوارث الطبيعية التي تصيب سكان هذا الكوكب، رغم أنه قد يكون الأكثر ضررا من بين أخواته، فهناك الحرائق والأعاصير والفيضانات والسيول والانهيارات الأرضية.

وطوال عقود يسعى العلماء وذوو الشأن والاختصاص للحد من الدمار الذي تُلحقه تلك الكوارث، وحلمهم في كل مرة هو الوصول لطريقة تمكنهم من التنبؤ بالكوارث قبل وقوعها ليتسنى للحكومات إخلاء المدن ولِفرق الإنقاذ من الاستعداد.

وفي السنوات الأخيرة، وبعد القدرات الكبيرة التي أظهرتها أنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، أعلنت أكثر من مؤسسة بحثية وشركة تقنية عن تطوير خوارزميات قادرة على التنبؤ بنوع محدد من الكوارث، وأظهرت التجارب على تلك الأنظمة دقة وموثوقية مطمئنة بنسبة كبيرة.

في السنوات الخمس الأخيرة بدأ جيل جديد من نماذج التنبؤ بالطقس تدخل للخدمة، وهي على نوعين: إما هجينة بمعنى أنها تدمج بين النماذج القديمة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، أو تكون مرتكزة بشكل كامل على أنظمة الذكاء الصناعي. وهذا النوع الأخير كانت وراء ابتكاره كبرى الشركات التكنولوجية.

من أمثلة النموذج الهجين نظام "إتش سي سي إيه" الخاص بمركز الأعاصير في الولايات المتحدة. ويدمج نظام "إتش سي سي إيه" الجديد هذا المدخلات من نماذج متعددة، ويستخدم التعلم الآلي للاعتماد بشكل أكبر على النماذج التي حققت أداء أفضل بناء على التوقعات السابقة.

مثال ذلك في إعصار ايداليا الأخير الذي ضرب الولايات المتحدة عام 2023، فقد كان متوسط خطأ المسار المتوقع لـ"إتش سي سي إيه" لمدة ثلاثة أيام هو 97 ميلا بحريا مقابل 116 ميلا بحريا للتنبؤات الرسمية.

ويمثل كلاهما تحسينات ذات مغزى، حيث إن كلفة الإخلاء تبلغ حوالي مليون دولار لكل ميل، كما تفوّق النموذج أيضا على توقعات المسار الرسمية لمركز الأعاصير للعديد من العواصف الأخرى في عام 2023.

أما النماذج التي اعتمدت بشكل كلي على الذكاء الاصطناعي فهي أكثر من نموذج، وقبل ذكر أبرزها لا بد من الإشارة الى الطريقة التي تعمل بها.

في البدء يتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات التاريخية، والتي تقوم الخوارزميات بتحليلها للعثور على العلاقات بين الملاحظات أو التوقعات السابقة والظروف التي تلت ذلك.

وباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل كل هذه المعلومات في جزء صغير من الوقت وبشكل أكثر دقة وكفاءة دون التعرض لخطر الخطأ البشري. ومن خلال النظر إلى أنماط الطقس التاريخية ومقارنتها بالظروف الحالية، يمكن بعد ذلك التنبؤ بالحالات الشاذة المحتملة التي قد تؤدي إلى كوارث طبيعية.

وبمجرد تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، يمكنها توليد توقعات في ثوانٍ إلى بضع دقائق على أي جهاز حاسوب متوفر مقارنة بأكثر من ساعة على أجهزة الحاسوب العملاقة الكبيرة لمعظم النماذج التقليدية.

لا يختلف هذا المفهوم عن الطريقة التي يستخدم بها علماء الأرصاد الجوية خبرتهم لتوقع كيفية انحراف الطقس عن توقعات النموذج، لكن الذكاء الاصطناعي يفعل ذلك على نطاق وسرعة يصعب على البشر مجاراتها.

 

المصدر : "الجزيرة"