أتذكرين أول عام في الجامعة؟

رؤى عبدالفتاح الوصابي


 قد تكون الآن الدراسة عبئًا علينا، الاستيقاظ باكرًا منهك! التكاليف أعمال شاقة! والمناقشات أساليب تعذيب مبتكرة حتى لا يقعوا تحت طائلة حقوق الإنسان! أما الاختبارات هي الجحيم ذاته! نتأفف ونكتب في الأمر ألف شعر ونثر! ولكن إذا حُرمنا منها حقًا، سندرك أنها نعمة، ونشعر بمرارة فقدانها! سنحن للمدارس والجامعات ولهذه الأيام، وتلك المقاعد! فأعوذ بالله أن ننسى هذه النعمة، ونراها مصدر تعب ومشقة! ونتناسى أن بالعلم تنهض الأمم وتبنى الأوطان. والانشغال بالعلم أفضل مائة مرة من الفراغ القاتل. أكتب ما أكتب وأنا يفصلني عن النهاية عام وبضعة أشهر! قد يبدو وقت طويل، لكنني أجزم أنه سيمضي كرصاصة لتستقر في ثنايا ذاكرتي.


لقد مرت السنين! لحظة ذاك شعرت ببطئها، والآن لا أتذكرها إلا ومضات كبرق لمع واختفى.  جُل ما أتذكره أنني غفوت على شارة ريمي، واستيقظت وأنا في الدروب أتساءل "أفينا البعد أم فيها؟"  فها هي تمضي السنين، وأرى النهاية تلوح في الأفق، النهاية التي تقت لها ما إن وطأت قدمي هذا المبنى، وأردت احتضانها كلما رأيتها تلوح في أفاق غيري، قد بت الآن اخشاها! فقلبي تعلق بصديقات هنا، يدرك جيدًا أن الحياة ستفرقنا قدر ما تستطيع، أو على الأقل تنسيهم أمري، فلا يحنون للقائي! وإذا ما ألتقينا صدفة سنضحك ونتذكر، ولن تكفينا بضع كلمات، ولكننا سنسترجع من الذكريات ما تيسر، هناك ضحكنا كثيرًا، وفي تلك الزاوية بكينا! هنا كان يقف الدكتور، وهنا حيث شرحت لنا الدكتورة. وفي تلك الكافتيريا تبادلنا الكثير من الأحاديث، وبين الممرات همسنا.

- أتذكرين أول عام في الجامعة؟

- بالطبع، وكيف أنسى؟!  

-يومها لم يصدق الدكتور أنك معنا في الصف، وقالها مستنكرًا متعجبًا "أنتِ معنا؟!" 

-نعم، لن أنسى، فقد خجلت من أول يوم، ولم أستطع حتى الرد! ولم تكن المرة الأخيرة، فدكتور المحاضرة التالية، طلب مني أن أشرح طريقة البحث، وقد نهضت وشرحت، ولكنني أشك أن صوتي كان مسموعًا، فقد كنت خجلة، مترددة، لا أعرف أحدًا في القاعة،  أبحث عن أعين تطمئنني! وشعرت أن العام الأول كان طويل للغاية، كأنه باقٍ أبدًا الدهر! لم انسجم لعام كامل، وفضلت البقاء وحيدة، عدا أنني بدأت اكسر الحاجز في العام الثاني، وفي ذاك العام، أتى دكتور جديد، وطرح سؤاله "هذه الحلوة الصغنونة تبع من؟" وقد شعرت بحرج كبير! تمنيت لو أملك عصا سحرية،  ألوح بها في الهواء فاختفي! إنتهى ذاك العام، وفي العام الثالث لي، بدأت انسجم معكن أكثر، اتحدث أكثر، واتخلى عن التكلف والرسمية، وكان الوقت ممتعًا، ضحكنا، تنزهنا، لعبنا، وفعلنا الكثير! 


وها هو العام الثالث يوشك على الإنتهاء، وما أريده هو أن أصنع ذكريات جميلة، أن أترك الجامعة كما دخلتها لا لي ولا عليّ، أن يبتسم من يتذكرني، فإنما هي أيام تمضي ونمضي معها، لذا أرجو أن أخرج منها خفيفة، خفيفة للغاية، كالريشة، كالغيمة، على مساحةٍ آمنةٍ من الجميعِ لا أؤذِي، ولا أؤذَى. ‏"فأعوذ بالله من أن أرميّ كلامًا جارحًا على أحد، أستشفي فيه لنفسي أو أقلل من قيمته" فأورث من بعده الندم الطويل!


وأخيرًا لرفيقاتي كل الحب والوفاء، فمعهن آنس ولا استوحش الطريق.  وكل الشكر للدكاترة والدكتورات، فبقدر خجلي وخوفي، هو أمتناني وتقديري، جعله الله في ميزان حسناتهم. وأشهد أنني لم ارَ منهم أي سوء، وأنهم كانوا مراعيين، متعاونين،  يغضون الطرف عن زلاتنا، ويعاملوننا كأبناء لهم. وكتب الله أجر كل كادر عمل الجامعة، وكل من ساهم، وعمل، وسعى إلى بناء جيل متسلح بالعلم، جيل عتي ينهض بالوطن من جديد في وقت تشكي فيه الأمة من وهن الهمة.   


 #تدوين 

#طالب_يمني 

#جامعة_الرازي

#كلية_الحاسوب

#قسم_تقنية_المعلومات