التعليم السريري المبكر وأهميته في التعليم الطبي‎‎
د. رضوان النجار - رئيس قسم الطب البشري بكلية الطب والعلوم الصحية، جامعة الجيل الجديد

1- كانت هناك حاجة للتطوير والتغيير في التعليم الطبي في فترة الأربعينيات مع بزوغ الثورة الصناعية، والتقدم في تكنولوجيا المعلومات. خلال الأربعينيات من القرن الماضي، أدى الفصل بين التدريب قبل الإكلينيكي والتدريب الإكلينيكي وكذلك زيادة نمط التخصص في التعليم الطبي إلى التركيز على رعاية المرضى الشاملة.



2- في البداية، في عام 1940، قامت كلية الطب بجامعة ويسترن ريزيرف في كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية بمراجعة مناهجها بما في ذلك التكامل بين الأقسام والتعليم السريري المبكر للطلاب.



4- اقترح المجلس الطبي في المملكة المتحدة في عام 1993 إدخال طلاب الطب إلى العلوم السريرية في وقت مبكر من عام تعليمهم. وكذلك أوصى الاتحاد الفيدرالي العالمي للتعليم الطبي (WFME) في عام 1998 علي الممارسات القائمة على التكامل في التعليم الطبي.



5- التعرض السريري المبكر (Early Clinical Exposure) هو منهجية تدريس وتعلم تعزز تعرض طلاب الطب للمرضى في وقت مبكر من السنة الأولى من كلية الطب. على مستوى العالم، هناك العديد من الدراسات البحثية التي وجدت أن التعرض السريري المبكر تحفز طلاب الطب بطرق مختلفة تجعلهم أكاديميين كفوؤين ، وذو مهارات سريرية عليه، وكذلك تتحسن مهارات الاتصال لديهم، مما يجعلهم أكثر ثقة.




6- التعرض السريري المبكر هو أحد أشكال نمط التكامل الرأسي بين الموضوعات قبل السريرية والموضوعات السريرية. تم اعتماد التعرض السريري المبكر كنموذج تعليمي من قبل العديد من الكليات الطبية والجامعات في جميع أنحاء العالم لسد الفجوة بين السنوات النظرية المبكرة والسنوات السريرية في التعليم الطبي الجامعي. وما يناسب السيناريو الحالي لنظام الرعاية الصحية.



7-دور الطالب في التعرض السريري المبكر

في المناهج الدراسية، يؤثر التعرض السريري المبكر بشكل عام على أداء الطلاب وثقتهم. في المناهج الطبية الطلاب يمكن أن يشاركوا في الأربعة الأنواع من التعرض السريري المبكر:



[1]- مراقب سلبي: كمراقبين سلبيين، يمكن للطالب ملاحظة مواقف مختلفة في المستشفى مثل الإجراءات الصغيرة على مستوى أقسام العيادات الخارجية، والعمليات الجراحية البسيطة في العيادات الخارجية، وتفاعل المريض، واستجابة المريض. يمكن أن يكون للملاحظة الفعلية للإجراءات الطبية أو الجراحية بدلاً من القراءة النظرية تأثير أكبر على الاحتفاظ بالمعلومة وتنمية الكفاءة.



[2]- مراقب نشط: كمراقب نشط، يمكن للطالب ملاحظة بعض المهارات السريرية البسيطة مثل القسطرة وتنصت السائل الجنيني. يمكن للطلاب تدوين قائمة التحقق لهذه الإجراءات. يمكن للطلاب ربط هذه الأشياء بما تم تدريسه في الفصول الدراسية. المشاركة النشطة للطلاب تثري مهاراتهم السريرية.



[3]- التعليم القائم على المحاكاة: يؤدي الطلاب مهام التعلم مثل عمل القسطرة، والحقن العضلي. ويمكن لهذه التدريبات أن تكون في البداية على النماذج القائمة على المحاكاة والتي يمكن يمكن أن يكون أكثر فائدة لغرض التدريب والتعلم.



[4]- مساعدة المقيم: يمكن للطلاب مساعدة المقيم في تنفيذ إجراءات مثل القسطرة والحقن العضلي. هذا يجعل التعليم مثيرا للاهتمام. حيث إن المشاركة النشطة للطلاب تثري المعلومات في التعليم السريري ويجب على الكلية تعزيز التعلم النشط للطلاب من خلال المشاركة في مناقشات الحالات المرضية أيضا.




8- اعتمدت العديد من الكليات الطبية في جميع أنحاء العالم التعرض السريري المبكر كنموذج تعليمي لسد الفجوة بين العلوم الأساسية والسريرية. حيث أظهرت الدراسات أن الملاحظة والتدريس الجماعي الصغير والتدريس السريري والإشراف والتغذية الراجعة والتعلم الذاتي والتعلم القائم على الحالة هي أكثر الأنشطة التي تركز عليها برامج التعرض السريري المبكر.



9- يجب أن يتبع برنامج التعرض السريري المبكر إلى ثلاثة مبادئ:

1. الحفاظ على دورة تعلم الطلاب على أساس التعلم التجريبي

2. التأكيد على الدور النشط للطلاب

3. توفير الإشراف والتغذية في الوقت المناسب.


10- يتم التدريب على تعليم التعرض السريري المبكر في الغالب في مراكز الرعاية الصحية الأولية، وعيادات الممارسة العامة، والعيادات الخارجية في الأقسام، وأجنحة المستشفيات، وعدد قليل من البرامج التي يتم تنفيذها في المجتمع. إلى جانب التعلم التجريبي.



11- حظت فكره وتطبيق التعرض السريري المبكر في التعليم الطبي بالقبول والترويج على نطاق واسع من قبل عدد من البلدان في جميع أنحاء العالم. في عام 2019 أدخل المجلس الطبي الهندي التعرض السريري المبكر كإحدى الممارسات الإلزامية في التعليم الطبي.



12- هناك اختلافات في التعرض السريري المبكر بين الدول. فالبلدان المتقدمة تركز على تكنولوجيا المحاكاة، والنماذج ثلاثية الأبعاد، ومختبرات المهارات بينما في البلدان النامية تركز الكليات على الاتصال والتواصل المباشر مع المريض. وبالتالي، يمكن تضمين التعرض السريري المبكر بطرق مختلفة حسب الإمكانات المتوفرة.



13- على الرغم من أن كليات الطب في الولايات المتحدة قد دمجت المزيد من تعليم التعرض السريري المبكر في مناهجها على مدار العقد الماضي، مما أدى إلى زيادة كفاءة التعليم السريري. وكذلك الحال في دوله جنوب إفريقيا، فقد قاموا بدمج التعرض السريري المبكر كأداة مهمة في التعليم الطبي. وجدوا نتائج ممتازة.



14- إن التعلم ينطوي على اكتساب مفاهيم مجردة يمكن تطبيقها بمرونة في مجموعة من المواقف. حيث يكون هناك دافع للتطوير من خلال التجارب الجديدة. والتعلم هو العملية التي يتم من خلالها إنشاء المعرفة من خلال التجربة. إن  التعلم الفعال يمر بأربع مراحل:


1. وجود تجربة ملموسة تليها


2. المراقبة والتفكير في تلك التجربة والتي تؤدي إلى


3. تكوين مفاهيم مجردة (تحليل) والتعميمات (الاستنتاجات) التي هي بعد ذلك


4. تستخدم لاختبار الفرضية في المواقف المستقبلية، مما ينتج عنه في تجارب جديدة



15- إن التعلم هو عملية متكاملة حيث تكون كل مرحلة داعمة لبعضها البعض وتغذي المرحلة التالية، ومن الممكن الدخول في الدورة في أي مرحلة ومتابعتها من خلال تسلسلها. ومع ذلك، لا يحدث التعلم الفعال إلا عندما يتمكن المتعلم من تنفيذ جميع المراحل الأربع للنموذج. لذلك، لا توجد مرحلة واحدة من الدورة تكون فعالة كإجراء تعليمي بمفردها. لذا فإن مشاركة الطلاب في عمليات التعلم تعمل على تطوير قدرتهم على امتلاك واستخدام المهارات التحليلية لوضع تصور للخبرة المستندة إلى التعلم السريري، كما أنها تستخدم مهارات اتخاذ القرار عند عرض الحالات خلال ممارستهم السريرية.



16- الهدف الرئيسي من التعليم في مرحلة التعرض السريري المبكر هو ربط محتوى العلوم الأساسية بالعلوم السريرية في نموذج التكامل الحلزوني في ممارسات التعلم في الوقت الفعلي، لذلك من أجل إنشاء المكون المعرفي للتعلم المهني. تساعد التعرض السريري المبكر الطلاب على تطوير المهارات السريرية الأساسية بالإضافة إلى الموقف الأخلاقي مع نشاط التعلم، كما أنه يساعد الطلاب على التغلب على ضغوطهم ومخاوفهم ويحفزهم على تطوير رؤية أفضل لمهنة الطب.




17- مزايا التعرض السريري المبكر

يشكل التعرض السريري المبكر جزءًا مُهِمًّا في التعليم الطبي، حيث تسهل الانتقال من الشخص العادي إلى طالب الطب، حيث يوفر لهم فرصة لتحقيق التواصل الاجتماعي ووضع سياق لتعلم العلوم الأساسية، وتعلم المهارات السريرية الأساسية، وتعزز تحفيز الطلاب وتشجع الطلاب على تعلم السلوك المهني. حيث أظهرت الدراسات أن التعرض السريري المبكر قد كان شريان الحياة الذي ساعد الطلاب على التركيز على دراساتهم ووفرت الفرصة لإقامة صلة بين مفاهيم العلوم الأساسية وحالات المرضى الفعلية. وبالمثل، فإن إدراك أعضاء هيئة التدريس لمزايا التعليم والتدريب المهني هو أنه يوفر نهجًا أكثر تكاملاً لتدريس العلوم الأساسية والطب السريري، ويزيد من إثارة الطلاب للتعلم وفهمًا أفضل للمعرفة الأساسية بالعلوم


18- الإعداد والتخطيط للتعليم السريري المبكر


يمكن التخطيط للتعرض السريري المبكر باستخدام الموارد المناسبة مثل سجلات المرضى والكتب الجامعية والملاحظات والأدوات وسجلات الحالات.


تنقسم هذه الإعدادات بشكل عام إلى ثلاث مجموعات:


أ. التعليم السريري المبكر في القاعات الدراسية


ب. التعليم السريري المبكر في المستشفى


ج. التعليم السريري المبكر في المجتمع



التعليم السريري المبكر في القاعات الدراسية: إعداد الفصل الدراسي هو أول شكل أساسي من أشكال تعليم التعرض السريري المبكر بأقل جهد، يمكن استخدام تعليم التعرض السريري المبكر كاستراتيجية تعليمية في القاعات الدراسية بالطرق التالية:


1. الترتيب المباشر لدعوه المرضى إلى الفصول الدراسية


2. مناقشة سيناريو الحالة الجاهزة


3. مناقشة المواد السريرية مثل حالة المريض، أوراق التسجيل، تخطيط القلب الكهربائي، الأشعة السينية، التصوير المقطعي والتقارير.



19- ويمكن العمل في مجموعات صغيرة متعددة؛ وبالتالي، يمكن لجميع الطلاب المشاركة بالنشاط. يمكن الحكم على الطلاب بناءً على اهتمامهم ومشاركتهم النشطة وفهمهم للموضوع المخطط  له في جلسات التعلم الجماعي الصغيرة. يمكن ترتيب هذه النقاشات بمساعدة المعلمين السريرين بمشاركتهم المباشرة أو غير المباشرة. يمكن أن تجعل هذه النشاطات أكثر إثارة للاهتمام مع عدد أكبر من مشاركة الطلاب النشطة. ويمكن أختيار الموضوعات أو الحالات المرتبطة مع المواضيع التى تدرس في الفصول العادية مثل التشريح والفسيولوجي أو قد يكون لدى الطلاب بعض المعلومات الأساسية المسبقة حول الجلسة. عندما يتم إحضار مريض إلى غرفة صفية، يجب أن يتم التعامل مع المريض بطريقة أخلاقية. يجب أن تشرح العلامات والأعراض الأساسية، ومهارات الفحص السريري الأساسية، التي يتم تدريسها في وقت مبكر من التعليم الطبي. 



20- التعليم السريري المبكر في المستشفى: يعد إعداد المستشفى أهم شكل من أشكال الإعداد للتعليم السريري المبكر. يمكن ترتيب التعليم السريري المبكر في المستشفى وذلك على دُفعات وبتنسيق مسبق مع الأقسام السريرية. يجب مناقشة الحالات مع الطلاب الذين يربطون سياقهم بما تم تدريسه سابقًا في الفصل الدراسي، ويجب أن تعكس هذه الحالات بعناية أكبر. كل هذا يساعد الطلاب بشكل عام على زيادة اهتمامهم بالعلوم الأساسية. في موضوع التشريح، يمكن ترتيب زيارات قسم الجراحة أو قسم الأشعة بما في ذلك الحالات المتعلقة بالتشريح الأساسي وكذلك يمكن تدريس الأشعة السينية مباشرة في قسم الإشعه.


21- يجب أن يكون الفهم الأساسي للحالات، بما في ذلك العلامات والأعراض والتشخيص والأساس النظري مرتبطًا جيدًا. يجب أن تناقش بهذه الطريقة التي تنمي مهارات الطلاب وتجعلهم أكثر ثقة. يجب تحديد أهداف التعلم بشكل صحيح للغاية وهذا هو ركيزة إعداد التعرض السريري المبكر المستندة على المستشفى.



بالإضافة إلى أهداف التعلم المتعلقة بالتعليم السريري المبكر، يجب دمج الأهداف الخمسة الأساسية التالية في جميع الجلسات:


1. التعرف على البيئة السريرية


2. خلق الوعي في عرض الحالات المختلفة


3. مراقبة العلاقة بين الطبيب والمريض


4. مراقبة اتصالات الطبيب والمريض


5. التعاطف مع المريض.


يجب أن يقوم الطلاب بتدوين الملاحظات وملء سجلاتهم. يجب على الطلاب كتابة السجلات مع وجهات نظرهم الخاصة بدلاً من وجهات النظر النظرية أو نسخ لصق من الطلاب الآخرين.



التعليم السريري المبكر في المجتمع: يعد التعليم السريري المبكر في المجتمع مثيرًا للاهتمام من وجهة نظر الطالب. يجب أن يعتمد التعرض السريري المبكر في المجتمع على النقاط التالية:


1. ربط سياق تعلم العلوم الأساسية


2. تكامل العلوم الأساسية


3. الأبعاد السريرية ووجهات النظر المجتمعية


4. مراقبة مشاكل المجتمع


5. التعاطف مع المريض


6. رؤية مقدمي الرعاية الصحية الأولية في الميدان


7. كيف تؤثر الظروف المعيشية على الصحة والمرض؟


8. مسؤولية الأطباء في المجتمع


9. مشاركة الطلاب من خلال الأنشطة.



يمكن التخطيط للتعليم السريري المبكر في المجتمع باتباع الخيارات التالية::


1. زيارات دورية للمجتمع


2. الإقامة لمدة أسبوع واحد في مركز الرعاية الصحية الأولية أو مركز صحي ريفي


3. يساعد على تعلم الجوانب الطبية الوقائية


4. يساعد على معرفة الأبعاد الأخلاقية للعلاقة بين الطبيب والمريض


5. يساعد على تعلم العلوم السلوكية والاجتماعية


6. يساعد على تحديد القضايا الصحية على مستوى المجتمع المحلي


7. يساعد على فهم التثقيف الصحي على مستوى المجتمع.


22- يتم ترتيب زيارات المجتمع بشكل منتظم من قبل قسم طب المجتمع. يتم تخصيص عائلة من منطقة ريفية لكل مجموعة صغيرة من الطلاب. يتطلب التعليم السريري خلق جو داعم للمتعلمين. المعرفة والمواقف والسلوكيات هي العوامل الأساسية في تعزيز بيئة تؤثر بشكل إيجابي على التعلم.



23- في الختام، فإن التحدي الذي يواجه التعليم الطبي هو البحث عن طرق لتحسين جودة التعليم السريري من خلال مقارنة فهم الطلاب وتعديل ممارسات التعليم السريري في الظروف الجديدة. ستلعب التجربة السريرية المبكرة بالتأكيد دورًا مهمًا في هذا السياق.